histoire
  اعترافات سفاح اقتصادي
 

اعترافات عن الإجرام الأمريكي ج5
ويتابع قائلا: كانت الأهداف الحقيقية لا تغيب عن ذهني أبدا، وهي: رفع المبالغ التي تدفع الى الشركات الأمريكية إلى اكبر قدر ممكن، وجعل الدولة التي تنفذ فيها الخطة تعتمد بصورة متزايدة على الولايات المتحدة. ولم يمض وقت طويل حتى تبينت مدى ارتباط كل من الهدفين بالآخر، فكل المشاريع المنفذة حديثا سوف تتطلب تحديثا متواصلا وخدمة وصيانة، وكانت ذات تقنية عالية جدا، مما يضمن ان من سيقوم بصيانتها وتحديثها هي الشركات التي نفذتها اصلا، وفي حقيقة الأمر، مع تقدم العمل في وضع هذه الخطة، بدأت اجمع قائمتين لكل من المشاريع المتصورة: واحدة لأنواع عقود التصميم والإنشاء التي نتوقعها، وأخرى لاتفاقيات الصيانة والإدارة على المدى البعيد. وكان من المؤكد إن شركات مين وبيكتل، وبروان اند روت، وهاليبرتون، وستون اند وبستر، والكثير غيرها من شركات الهندسة والإنشاءات سوف تجني أرباحا هائلة من كل ذلك على مدى عقود قادمة.
ثم يتحدث المؤلف عن زمرة أخرى من فوائد تطوير مثل تلك الدول. فيقول ان تنميتها الاقتصادية، كانت تحتم زرع بذور صناعة أخرى، وهي المتمثلة في وسائل حماية هذه الدولة من الطامعين في خيراتها. ولذلك، حق للشركات الخاصة المتخصصة في مثل هذه الأنشطة، وكذلك للجيش الأمريكي والصناعات الدفاعية ان تتوقع إبرام عقود سخية ومرة أخرى، اتفاقيات خدمة وإدارة على المدى الطويل. وسوف يتطلب وجودها مرحلة أخرى من مشاريع الهندسة والبناء، بما في ذلك المطارات، ومواقع الصواريخ، وقواعد الأفراد والهيئات، وكل البنية التحتية المرتبطة بمثل هذه المرافق.
وبموجب هذه الخطة المتطورة، كما يقول المؤلف، كانت الولايات المتحدة تريد من هذه الدول ان تضمن تزويد واشنطن بالنفط بكميات وأسعار قد تتذبذب، ولكنها لن تخرج عن إطار ما تقبل به واشنطن. وفي المقابل تقوم الولايات المتحدة بتوفير الحماية لمثل هذه الدول بطرق شتى.
إيران.. الشاه ومصدق
وفي هذا الإطار يتحدث المؤلف عن إيران. فيقول: إن إيران، بالنسبة إلينا، كانت دولة ذات أهمية كبرى. فموقعها مهم جدا على حدود روسيا. وفيها كل هذا النفط. ويجب علينا ان نسيطر على هذا النفط، كنا نريد بلهفة ان نسيطر على كل نفط الشرق الأوسط. وكنا نرى الشاه الشخص القادر على جعل ذلك يحدث. وكانت الخطة أن الشاه يمكن أن يساعدنا في الاستيلاء على بقية الشرق الأوسط، بما فيه سوريا والعراق، وكلنا يعرف انه حدثت هنالك حرب بين العراق وإيران بعد ذلك الوقت بكثير. ولكن منذ البداية كانت الفكرة ان نتحالف مع الشاه. وقد فعلنا كل ما من شأنه ان يضمن انضمامه إلينا. وكنا في الوقت ذاته ندرك انه يملك ثروة هائلة من عائدات النفط، ومن ثم فإن شركاتنا تجني أرباحا طائلة. ومرة أخرى، كانت شركات الهندسة التي تحدثنا عنها، مثل شركتي، تشارلس تي مين، وبيكتل وهاليبرتون، وكل من كان هناك منخرطا في بناء المدن، وبناء محطات توليد الطاقة، وشق الطرق السريعة العريضة وغير ذلك، يجني أرباحا هائلة، ويصبح في غاية الثراء.
ويذكر المؤلف كيف أن إيران، حين حاولت الخروج على هذه القاعدة سنة ،1951 عندما أمم محمد مصدق صناعة النفط الإيرانية، التي كانت خاضعة لسيطرة بريطانيا وقتئذ، وتعرضت لعقوبة صارمة. استعانت بريطانيا يومئذ بحليفتها في الحرب العالمية الثانية، الولايات المتحدة. وبدلا من أن ترسل واشنطن قوات مشاة البحرية في ذلك الوقت، أرسلت إلى إيران عميل وكالة الاستخبارات المركزية كيرميت روزفيلت (حفيد ثيودور روزفليت). وقد افلح في كسب ود الناس هناك ببراعة فائقة عبر تقديم الأموال حيناً وعبر التهديد والوعيد أحيانا اخرى. ثم جندهم لتنظيم سلسلة من أعمال الشغب في الشوارع، والمظاهرات العنيفة، التي خلقت انطباعا بأن مصدق لم يكن محبوبا وأنه غير ملائم. وفي النهاية أطيح بمصدق، وأمضى بقية حياته تحت الإقامة الجبرية في منزله. وأصبح الشاه محمد رضا الموالي لأمريكا الدكتاتور الأوحد. واستأنفت أمريكا بعد ذلك، عملية تحديث إيران وتطويرها، وابتزاز خيراتها، وربطها لتدور في فلك الإمبراطورية الكونية السالفة الذكر.
العراق
ويذكر المؤلف أن الولايات المتحدة، عبر السفاحين الاقتصاديين، ومن ضمنهم المؤلف، حاولت تطبيق اللعبة ذاتها على العراق.
يقول المؤلف عن تجربته في هذا المجال، إن إدارة بوش الأب وريجان كانتا عازمتين على تحويل العراق إلى دولة تابعة لواشنطن. وكانت هنالك أسباب عديدة تدفع صدام حسين إلى إتباع النموذج الذي سارت عليه الولايات المتحدة مع الدول الثرية بمواردها فقد كان يغبط هذه على ما تحقق فيها من مشاريع يسيل لها لعابه. كما كان يعلم انه إذا ارتبط مع واشنطن بمثل هذه المشاريع فسوف يحظى منها بمعاملة خاصة في ما يتعلق بتعاطيه مع القانون الدولي، وسوف تتغاضى عن بعض أفعاله.
يقول المؤلف: كان وجود السفاحين الاقتصاديين في بغداد قويا خلال ثمانينات القرن الماضي. وكانوا يعتقدون بأن صدام سوف يبصر النور في نهاية المطاف، وكان علي أن أتفق مع هذا الافتراض، فلو ان العراق توصل مع واشنطن إلى اتفاق مثلما فعلت بعض الدول الأخرى، فسوف يؤمن استمراره في حكم بلاده، وقد يوسع دائرة نفوذه في ذلك الجزء من العالم.
ويتابع المؤلف قائلا: انه لم يكن يهم الولايات المتحدة انه طاغية مستبد، وان يديه ملطختان بدم كثير من الأبرياء. فقد تحملت واشنطن وجود مثل هؤلاء الأشخاص من قبل، بل كانت تدعمهم وتساندهم في أحيان كثيرة. وسوف نكون في غاية السعادة بأن نقدم له سندات الحكومة الأمريكية مقابل دولارات النفط، ومقابل وعده لنا باستمرار تزويدنا بالنفط، ومقابل صفقة يتم بموجبها استغلال أرباح السندات في تأجير الشركات الأمريكية لتحسين أنظمة البنية التحتية في العراق، ولاستحداث مدن جديدة، وتحويل الصحراء إلى واحات خضراء. وسنكون راغبين في بيعه دبابات وطائرات مقاتلة، وفي بناء مصانعه الكيماوية والنووية، مثلما فعلنا من قبل في عدد كبير جدا من الدول، حتى لو كانت مثل هذه التقنيات يمكن أن تستخدم في إنتاج أسلحة متطورة.
ويتحدث المؤلف عن أهمية العراق بالنسبة إلى الولايات المتحدة فيقول: كان العراق في غاية الأهمية لنا، بل أهم بكثير مما يبدو على السطح. وخلافا للرأي العام الشائع، لا يتعلق الأمر بالنفط فقط. بل يتعلق بالمياه وبالجغرافيا السياسية كذلك، ولأن نهري دجلة والفرات يجريان عبر العراق، فإن العراق، من بين كل دول ذلك الجزء من العالم، يسيطر على أهم موارد المياه ذات الأهمية المتزايدة إلى درجة حرجة. وخلال ثمانينات القرن الماضي، كانت أهمية المياه، السياسية والاقتصادية، تتضح شيئا فشيئا لمن يعملون منا في مجالي الطاقة والهندسة. وفي غمرة الاندفاع نحو الخصخصة، أصبح العديد من الشركات الرئيسية التي كانت من قبل تتطلع إلى القيام بمهام شركات الطاقة المستقلة الصغرى، يمد بصره نحو خصخصة أنظمة المياه في إفريقيا، وأمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط.
ويتابع المؤلف: وبالإضافة إلى النفط والماء، يحتل العراق موقعا استراتيجيا جدا. فهو يتاخم إيران والكويت والمملكة العربية السعودية والأردن وسوريا وتركيا، وله ساحل على الخليج العربي. وهو على مسافة تسمح بإطلاق الصواريخ على “إسرائيل” وعلى الاتحاد السوفييتي السابق. ومن الشائع اليوم أن من يسيطر على العراق يملك مفتاح السيطرة على الشرق الأوسط.
وفوق كل ذلك، كان العراق يشكل سوقا ضخمة للتكنولوجيا والخبرة الهندسية الأمريكية. وكونه يجلس فوق واحد من أعظم حقول النفط في العالم، يضمن انه في وضع يخوله تمويل برامج ضخمة تتعلق بالبنية التحتية والتصنيع. وكان كل اللاعبين الرئيسيين يمدون أبصارهم نحو العراق: شركات الهندسة والبناء، مزودو أنظمة الحاسوب، أصحاب مصانع الطائرات والصواريخ والدبابات، وشركات تصنيع الأدوية والكيماويات.
غير انه كان من الواضح ان صدام في أواخر ثمانينات القرن الماضي لم يكن مقتنعا بسيناريو السفاحين الاقتصاديين. وكان ذلك يسبب خيبة أمل وضيقا عظيمين لإدارة بوش الأب. وبينما كان بوش يبحث عن مخرج لذلك، أوقع صدام نفسه بنفسه، حين غزا الكويت في اغسطس/آب ،1990 ورد بوش بإدانة صدام بخرق القانون الدولي، رغم انه لم تكن قد مضت سنة على قيام بوش نفسه بغزو انفرادي غير شرعي لبنما.
ولم يكن الأمر مفاجئا، حين أمر الرئيس بوش أخيرا بشن هجوم عسكري شامل. وأرسل نصف مليون جندي أمريكي كجزء من قوة دولية. وخلال الشهور الأولى من سنة 1991 شن هجوم جوي كاسح على الجيش العراقي وعلى الأهداف المدنية.
يقول المؤلف: إنني أعتقد انه تحت سطح الخطاب الوطني والدعوات المنادية باتخاذ عمل ما، كان هنالك تحول أهم وأعمق يكتنف نظرة أصحاب المصالح التجارية الأمريكية ومن ثم معظم الناس الذين يعملون لدى الشركات الأمريكية للعالم. لقد أصبح الزحف نحو تكوين إمبراطورية كونية أمرا واقعا، وكانت الخصخصة تحفر دورباً عميقة في نفوسنا.
ورغم ان مؤلف الكتاب لا يتعاطف مع صدام حسين، بل يشبهه بهتلر في بعض المواضع في الكتاب، إلا انه يقول: لا استطيع إلا أن أتساءل، كم من الناس يعرفون مثلما كنت اعرف، ان صدام كان سيظل في السلطة لو انه وافق على المشاركة في اللعبة.. ولو فعل لكانت لديه الآن صواريخه ومصانعه الكيماوية، ولكنا قد بيناها له، ولكان خبراؤنا الآن يشرفون على تطويرها وتحديثها وصيانتها، وكانت صفقة رائعة جدا.

 
  Aujourd'hui sont déjà 4 visiteurs (7 hits) Ici!  
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement